Thursday, 3 March 2011

الفرق بين التفسير والتأويل والنسبة بينهما:
اختلف العلماء فى بيان الفرق بين التفسير والتأويل، وفى تحديد النسبة بينهما اختلافاً نتجت عنه أقوال كثيرة، وكأن التفرقة بين التفسير والتأويل أمر معضل استعصى حله على كثير من الناس إلا مَن سعى بين يديه شعاع مِن نور الهداية والتوفيق، ولهذا بالغ ابن حبيب النيسابورى فقال: "نبغ فى زماننا مفسِّرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه". وليس بعيداً أن يكون منشأ هذا الخلاف، هو ما ذهب إليه الأستاذ أمين الخولى حيث يقول: "وأحسب أن منشأ هذا كله، هو استعمال القرآن لكلمة التأويل، ثم ذهاب الأصوليين إلى اصطلاح خاص فيها، مع شيوع الكلمة على ألسنة المتكلمين من أصحاب المقالات والمذاهب".
وهذه هى أقوال العلماء أبسطها بين يدى القارئ ليقف على مبلغ هذا الاختلاف، وليخلص هو برأى فى المسألة يوافق ذوقه العلمى ويرضيه.
1 - قال أبو عبيدة وطائفة معه: "التفسير والتأويل بمعنى واحد" فهما مترادفان. وهذا هو الشائع عند المتقدمين من علماء التفسير.
2 - قال الراغب الأصفهانى: "التفسير أعم من التأويل، وأكثر ما يُستعمل التفسير فى الألفاظ، والتأويل فى المعانآ، كتأويل الرؤيا. والتأويل يُستعمل أكثره فى الكتب الإلهية. والتفسير يستعمل فيها وفى غيرها. والتفسير أكثره يستعمل فى مفردات الألفاظ. والتأويل أكثره يستعمل فى الجمل، فالتفسير إما أن يُستعمل فى غريب الألفاظ كـ "البَحيرة والسائبة والوصيلة" أو فى تبين المراد وشرحه كقوله تعالى فى الآية [43] من سورة البقرة: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ}.. وإما فى كلام مضمن بقصة لا يمكن تصوره إلا بمعرفتها نحو قوله تعالى فى الآية [37] من سورة التوبة: {إِنَّمَا النَّسِي?ءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}.. وقوله تعالى فى الآية [189] من سورة البقرة: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا}.
وأما التأويل: فإنه يُستعمل مرة عاماً، ومرة خاصاً، نحو "الكفر" المستعمل تارة فى الجحود المطلق، وتارة فى جحود البارى خاصة. و "الإيمان" المستعمل فى التصديق المطلق تارة، وفى تصديق دين الحق تارة، وإما فى لفظ مشترك بين معان مختلفة، نحو لفظ "وجد" المستعمل فى الجد والوجد والوجود".
3 - قال الماتوردى: "التفسير: القطع على أن المراد من اللفظ هذا، والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فتفسير بالرأى، وهو المنهى عنه، والتأويل ترجيح أحد المتحملات بدون القطع والشهادة على الله"، وعلى هذا فالنسبة بينهما التباين.
4 - قال أبو طالب الثعلبى: "التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً، كتفسير "الصراط" بالطريق، و "الصَيِّب" بالمطر. والتأويل تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول، وهو الرجوع لعاقبة الأمر. فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير إخبار عن دليل المراد، لأن اللفظ يكشف عن المراد، والكاشف دليل، مثاله قوله تعالى فى الآية [14] من سورة الفجر: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.. تفسيره أنه من الرصد، يقال: رصدته: رقبته، والمرصاد مفعال منه، وتأويله التحذير من التهاون بأمر الله، والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه. وقواطع الأدلة تقتضى بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ فى اللغة" وعلى هذا فالنسبة بينهما التباين.
5 - قال البغوى ووافقه الكواشى: "التأويل هو صرف الآية إلى معنى محتمل يواف ما قبلها وما بعدها، غير مخالف للكتاب والسُّنَّة من طريق الاستنباط. والتفسير هو الكلام فى أسباب نزول الآية وشأنها وقصتها".بتصرف. وعلى هذا فالنسبة بينهما التباين.
6 - قال بعضهم: "التفسير ما يتعلق بالرواية، والتأويل ما يتعلق بالدراية"، وعلى هذا فالنسبة بينهما التباين.
7 - التفسير هو بيان المعانى التى تُستفاد من وضع العبارة، والتأويل هو بيان المعانى التى تُستفاد بطريق الإشارة. فالنسبة بينهما التباين، وهذا هو المشهور عند المتأخرين، وقد نبَّه إلي هذا الرأى الأخير العلامة الألوسى فى مقدمة تفسيره حيث قال بعد أن استعرض بعض أقوال العلماء فى هذا الموضوع: "وعندى أنه إن كان المراد الفرق بينهما بحسب العُرْف فكل الأقوال فيه - ما سمعتها وما لم تسمعها - مخالف للعُرْف اليوم إذ قد تعورف من غير نكير: أن التأويل إشارة قدسية، ومعارف سبحانية، تنكشف من سجف العبارات للسالكين، وتنهل من سُحُبِ الغيب على قلوب العارفين. والتفسير غير ذلك.
وإن كان المراد الفرق بينهما بحسب ما يدل عليه اللفظ مطابقة، فلا أظنك فى مرية من رد هذه الأقوال، أو بوجه ما، فلا أراد ترضى إلا أن فى كل كشف إرجاعاً، وفى كل إرجاع كشفاً، فافهم".
هذه هى أهم الأقوال فى الفرق بين التفسير والتأويل. وهناك أقوال أخرى أعرضنا عنها مخافة التطويل.
والذى تميل إليه النفس من هذه الأقوال: هو أن التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية، والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية، وذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان. والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحى وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.
وأما التأويل.. فملحوظ فيه ترجيح أحمد محتملات اللفظ بالدليل. والترجيح يعتمد على الاجتهاد، ويُتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها فى لغة العرب، واستعمالها بحسب السياق، ومعرفة الأساليب العربية، واستنباط المعانى من كل ذلك. قال الزركشى: "وكان السبب فى اصطلاح كثير على التفرقة بين التفسير والتأويل: التمييز بين المنقول والمستنبط، ليحيل على الاعتماد فى المنقول، وعلى النظر فى المستنبط".
Sumber : tafsir wal mufassirun karya al-dzahabi

0 comments:

Post a Comment

terimakasih ^_^